سورة الرحمن - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فبأي آلاء ربكما تكذبان فإذا انشقت السماء} أي انفرجت فصارت أبواباً لنزول الملائكة وقيل المراد منه خراب السماء وذلك لما قال كل من عليها فان إشارة إلى أهل الأرض ذكر في هذه الآية بيان حال سكان السماء وقيل فيه تهويل وتعظيم للأمر لأن فيه إشارة إلى ما هو أعظم من إرسال الشواظ على الإنس والجن وهو تشقق السماء وذوبانها وهو قوله تعالى: {فكانت وردة كالدهان} جمع دهن شبه تلون السماء عند انشقاقها بتلون الفرس الورد وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة وقيل إن السماء تتلون يومئذ ألواناً كألوان الفرس الورد يكون في الربيع أصفر وفي أول الشتاء أحمر فإذا اشتد البرد صار أغبر فشبه السماء في تلونها عند انشقاقها بهذا الفرس في تلونه وقيل كالدهان أي كعصير الزيت لأنه يتلون في الساعة ألواناً وقيل تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصلها حر جهنم وقيل كالدهان أي كالأديم الأحمر {فبأي آلاء ربكما تكذبان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} قيل لا يسألون عن ذنوبهم لتعلم من جهتهم لأن الله تعالى علمها منهم وكتبتها الحفظة عليهم وهذه رواية عن ابن بعاس وعنه لا تسأل الملائكة المجرمين لأنهم يعرفون بسيماهم دليله ما بعده وعن ابن عباس أيضاً في الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} قال لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ولكنه يسألهم لم عملتم كذا وكذا وقيل إنها مواطن فيسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها وعن ابن عباس أيضاً قال لا يسألون سؤال شفقة ورحمة إنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ وقيل لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم {فبأي آلاء ربكما تكذبان يعرف المجرمون بسيماهم}، يعني بسواد وجوههم وزرقة عيونهم {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} قيل تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي من خلف ظهره وقيل تجعل رؤوسهم على ركبهم ونواصيهم في أصابع أرجلهم مربوطة وقيل يسحب بعضهم بالنواصي وبعضهم بالأقدام ثم يلقون في النار.


{فبأي آلاء ربكما تكذبان هذه جهنم} أي يقال لهم هذه جهنم ثم يلقون فيها {التي يكذب بها المجرمون} يعني المشركين {يطوفون بينها وبين حميم آن} يعني قد انتهى حره ى أنهم يسعون بين الحميم وبين الجحيم فإذا استغاثوا من النار جعل عذابهم الحميم الأنى الذي قد صار كالمهل وقال كعب الأحبار آن واد من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون فيه حتى تنخلع أوصالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله لهم خلقاً جديداً فيلقون في النار فذلك قوله تعالى: {يطوفون بينها وبين حميم آن} {فبأي آلاء ربكما تكذبان} فإن قلت هذه الأمور المذكورة في هذه الآيات من قوله: {كل من عليها فان} إلى هنا ليست نعماً فكيف عقبها بقوله: {فبأي آلاء ربكما تكذبان}.
قلت المذكور في هذه الآيات مواعظ وزواجر وتخويف وكل ذلك نعمة من الله تعالى لأنها تزجر العبد عن المعاصي فصارت نعماً فحسن ختم كل آية منها بقوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه من عباده المؤمنين فقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه} يعني مقامه بين يدي ربه للحساب فترك الشهوة والمعصية وقيل قيام ربه عليه يعني اطلاعه عليه وهو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله واطلاعه عليه فيدعها من مخافة الله وقيل لمن راقب الله في السر والعلانية بعمله فما عرض له من محرم تركه من خشيته وما عمل من خير أخلصه لله ولا يحب أن يطلع عليه أحد قيل إن المؤمنين خافوا ذلك المقام فعملوا لله مع الإخلاص ودأبوا الليل والنهار {جنتان} يعني جنة عدن وجنة نعيم وقيل جنة بخوفه ربه وجنة بتركه شهوته.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة» أخرجه الترمذي قوله أدلج الإدلاج محففاً سير أول الليل ومثقلاً سير آخر الليل والمراد من الإدلاج التشمير والجد والاجتهاد في أول الأمر فإن من سار أول الليل كان جديراً ببلوغ المنزل وروى البغوي بسنده عن أبي ذر «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وإن زنى وإن سرق؟ فقال وإن زنى وإن سرق ثم قال ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت الثانية وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال وإن زنى وإن سرق ثم قال ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت الثالثة وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر».


{فبأي آلاء ربكما تكذبان} ثم وصف الجنتين فقال تعالى: {ذواتا أفنان} أي أغصان واحدها فنن وهو الغصن المستقيم طولاً وقيل ذواتا ظلال وهو ظل الأغصان على الحيطان، وقال ابن عباس ذواتا ألوان يعني ألوان الفواكه وجمع عطاء بين القولين فقال في كل غصن فنون من الفاكهة وقيل ذواتا فضل وسعة على ما سواهما، {فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان} قال ابن عباس بالكرامة والزيادة لأهل الجنة وقيل تجريان بالماء الزلال إحداهما التسليم والأخرى السلسبيل وقيل إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين {فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان} أي صنفان ونوعان وقيل معناه إن فيهما من كل ما يتفكه به ضربين رطباً ويابساً قال ابن عباس ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو {فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش} جمع فراش {بطائنها} جمع بطانة والتي تلي الأرض من تحت الظهارة {من استبرق} وهو ما غلظ من الديباج قال ابن مسعود وأبو هريرة هذه البطائن فما ظنكم بالظهائر وقيل لسعيد بن جبير البطائن من استبرق فما الظهائر؟ قال هي مما قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} وعنه أيضاً قال بطائنها من استبرق وظواهرها من نور جامد وقال ابن عباس وصف البطائن وترك الظواهر لأنه ليس في الأرض أحد يعرف ما الظواهر وقيل ظواهرها من سندس وهو الديباج الرقيق الناعم وهذا يدل على نهاية شرف هذه الفرش لأنه ذكر أن بطائنها من الإستبرق ولا بد أن تكون الظهائر خيراً من البطائن فهو مما لا يعلمه البشر، {وجنى الجنتين دان} يعني أن ثمرهما قريب يناله القائم والقاعد والنائم وهذا بخلاف ثمر الدنيا فإنها لا تنال إلا بكدٍّ وتعب قال ابن عباس تدنو الشجرة حتى يجنيها ولي الله إن شاء قائماً وإن شاء قاعداً وقيل لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5